الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)
.ذكر استيلاء ابن أبي الساج على الرَّيّ: وكان ابن الفرات يقع في نصر الحاجب، ويقول للمقتدر أنّه هو الذي أمر أحمد بن عليّ بالعصيان لمودّة بينهما. وكان قتلُ أحمد بن عليّ آخر ذي القعدة، واستولى ابن أبي الساج على الرَّيّ، ودخلها في ذي الحجّة من السنة، ثمّ سار عنها في أوّل سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة إلى همذان، واستخلف بالريّ غلامه مُفلحاً، فأخرجه أهل الريّ عنهم، فلحق يوسف، وعاد يوسف إلى الريّ في جُمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة واستولى عليها. .ذكر عدّة حوادث: وفيها ظهر جراد كثير بالعراق، فأضرّ بالغلاّت والشجر وعظم. وفيها استُعمل بنّيّ بن نفيس على حرب أصبهان. وفيها توفّي بدر المعتضديُّ بفارس، وهو أميرها، ووليَ ابنه محمّد مكانه. وفيها توفّي أبو محمّد أحمد بن محمّد بن الحسين الجُريريُّ الصوفيُّ، وهو من مشاهير مشايخهم الجُريريّ بضمّ الجيم؛ وأبو إسحاق إبراهيم بن السرّيّ الزجّاج النحويُّ، صاحب كتاب معاني القرآن. ثم دخلت: .سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة: .ذكر حادثة غريبة: وأنكر ابن الفرات على نصر الحاجب هذه الحال حيث هو الحاجب، وعظّم الأمر بين يدي المقتدر، ونسبه إلى إنه أخفاه لقتل المقتدر، فقال نصر: لِمَ أقتل أمير المؤمنين وقد رفعني من الثرى إلى الثريا؟ إنّما يسعى في قتله من صادره، وأخذ أمواله، وأطال حبسه هذه السنين، وأخذ ضياعه؛ وصار لابن الفرات بسبب هذا حديث في معنى نصر. .ذكر أخذ الحاجّ: وكان أبو الهيجاء بن حَمدان قد أشار عليهم بالعود إلى وادي القُرى، وأنّهم لا يقيمون بفَيد، فاستطالوا الطريق، ولم يقبلوا منه، وكان إلى أبي الهيجاء طريق الكوفة وكثير الحاجّ، فلمّا فني زادهم ساروا على طريق الكوفة، فأوقع بهم القرامطة، وأخذوهم، وأسروا أبا الهيجاء، وأحمد ابن كشمرد، ونحرير، وأحمد بن بدر عمّ والدة المقتدر، وأخذ أبو طاهر جمال الحجّاج جميعها، وما أراد من الأمتعة، والأموال، والنساء، والصبيان، وعاد إلى هَجَر وترك الحاجّ في مواضعهم، فمات أكثرهم جوعاً، وعطشاً، ومن حرّ الشمس. وكان عُمْرُ أبي طاهر حينئذ سبع عشرة سنة، وانقلبت بغداد، واجتمع حُرَم المأخوذين إلى حُرَم المنكوبين الذي نكبهم ابن الفرات، وجعلن ينادين: القُرمطيُّ الصغير أبو طاهر قتل المسلمين في طريق مكّة، والقُرمطيُّ الكبير ابن الفرات قد قتل المسلمين ببغداد. وكانت صورة فظيعة شنيعة، وكسر العامّة منابر الجوامع، وسوّدوا المحاريب يوم الجمعة لستّ خلون من صفر، وضعفت نفس ابن الفرات، وحضر عند المقتدر ليأخذ أمره فيما فعله، وحضر نصر الحاجب المشورة، فانبسط لسانه على ابن الفرات، وقال له: الساعة تقول أيّ شيء نصنع، وما هو الرأي بعد أن زعزعتَ أركان الدولة، وعرَّضتَها للزوال في الباطن بالميل مع كلّ عدوّ يظهر ومكاتبته، ومهادنته وفي الظاهر بإبعادك مؤنساً ومن معه إلى الرَّقّة، وهم سيوف الدولة، فمن يدفع الآن هذا الرجل أن قصد الحضرة، أنت أو ولدك؟ وقد ظهر الآن أنّ مقصودك بإبعاد مؤنس وبالقبض عليَّ وعلى غيري أن تستضعف الدولة وتقوي اعداءها لتشفي غيظ قلبك ممّن صادرك وأخذ أموالك، ومن الذي سلّم النّاس إلى القرمطيّ غيرك لما يجمع بينكما من التشيع والرفض؟ وقد ظهر أيضاً أنّ ذلك الرجل العجميّ كان من أصحاب القُرمطيّ، وأنت أوصلتَه. فحلف ابن الفرات أنّه ما كاتب القُرمطيَّ، ولا هاداه، ولا رأى ذلك الأعجميَّ إلا تلك الساعة؛ والمقتدر معرض عنه، وأشار نصر على المقتدر أن يحضر مؤنساً ومَن معه، ففعل ذلك، وكتب إليه بالحضور فسار إلى ذلك، ونهض ابن الفرات، فركب في طيارة فرجمه العامّة حتّى كاد يغرق. وتقدّم المقتدر إلى ياقوت بالمسير إلى الكوفة ليمنعها من القرامطة، فخرج في جمع كثير، ومع ولداه المظفَّر ومحمّد، فخرج على ذلك العسكر مال عظيم، وورد الخبر بعود القرامطة، فعطل مسير ياقوت. ووصل مؤنس المظفَّر إلى بغداد، ولّما رأى المحسن ابن الوزير ابن الفرات انحلال أمورهم، وأخذ كلّ مَن كان محبوساً عنده من المصادرين، فقتلهم لأنّه كان قد أخذ منهم أموالاً جليلة، ولم يوصلها إلى المقتدر، فخاف أن يقرّوا عليه. .ذكر القبض على الوزير ابن الفرات وولده المحسن: فلمّا أصبح الغد، وهو الثامن من ربيع الأوّل، وارتفع النهار أتاه نازوك، وبليق في عدّة من الجند، فدخلوا إلى الوزير، وهو عند الحرم، فأخرجوه حافياً مكشوف الرأس، وأُخذ إلى دجلة، فألقى عليه بليق طيلساناً غطى به رأسه، وحُمل إلى طيار فيه مؤنس المظفَّر، ومعه هلال بن بدر، فاعتذر إليه ابن الفرات، وألان كلامه، فقال له: أنا الآن الأستاذ، وكنتُ بالأمس الخائن الساعي في فساد الدولة، وأخرجتَني والمطر على رأسي ورؤوس أصحابي، لم تمهلني. ثمّ سُلّم إلى شفيع اللؤلؤي، فحُبس عنده، وكانت مدّة وزارته هذه عشرة أشهر وثمانية عشر يوماً، وأُخذ أصحابه وأولاده ولم ينج منهم إلاّ المحسن، فإنّه اختفى؛ وصودر ابن الفرات على جملة من المال مبلغها ألف ألف دينار. .ذكر وزارة أبي القاسم الخاقانّي: وكان أبو عليّ الخاقانيُّ، والد أبي القاسم، مريضاً شديد المرض، وقد تغيّر عليه لكبر سنّه، فلم يعلم بشيء من حال ولده؛ وتولّى أبو القاسم الوزارة تاسع ربيع الأوّل، وكان المقتدر يكرهه، فلمّا سمع ابن الفرات، وهو محبوس، بولايته قال: الخليفة هو الذي نُكِبَ لا أنا، يعني أنّ الوزير عاجز لا يعرف أمر الوزارة. ولّما وزَر الخاقانيُّ شفع إليه مؤنس الخادم في إعادة عليّ بن عيسى من صنعاء إلى مكّة، فكتب إلى جعفر عامل اليمن في الإذن لعليّ بن عيسى في العود إلى مكّة، ففعل ذلك، وأذن لعليّ في الاطلاع على أعمال مصر والشام. ومات أبو عليّ الخاقانيُّ في وزارة ولده هذه. .ذكر قتل ابن الفرات وولده المحسن: وكان المحسن قد أخذ زوجها ليصادره، فلمّا رأى الناسَ في داره يُجلدون، ويشقَّون، ويعذَّبون، مات فجأةً، فلمّا رأت المرأة المحسن وعرفته ركبت في سفينة، وقصدت دار الخليفة وصاحت: معي نصيحة لأمير المؤمنين! فأحضرها نصر الحاجب، فأخبرته بخبر المحسن، فانتهى ذلك إلى المقتدر، فأمر نازوك، صاحب الشُّرطة، أن يسير معها ويحضره، فأخذها معه إلى منزلها، ودخل المنزل، وأخذ المحسن وعاد به إلى المقتدر، فردّه إلى دار الوزير، فعُذب بأنواع العذاب ليجيب إلى مصادرة يبذلها، فلم يجبهم إلى دينار واحد، وقال: لا أجمع لكم بين نفسي ومالي؛ واشتدّ العذاب عليه بحيث امتنع عن الطعام فلمّا علم ذلك المقتدر أمر بحمله مع أبيه إلى دار الخلافة، فقال الوزير أبو القاسم لمؤنس، وهارون بن غريب الخال، ونصر الحاجب: إن يُنقل ابن الفرات إلى دار الخلافة بذل أمواله، وأطمع المقتدر في أموالنا، وضمننا منه، وتسلّمنا فأهلكنا؛ فوضعوا القوّاد والجند، حتّى قالوا للخليفة: إنّه لا بدّ من قتل ابن الفرات وولده، فإنّنا لا نأمن على أنفسنا ما داما في الحياة. وتردّدت الرسائل في ذلك، وأشار مؤنس، وهارون بن غريب، ونصر الحاجب بموافقتهم وإجابتهم إلى ما طلبوا، فأمر نازوك بقتلهما، فذبحهما كما يذبح الغنم. وكان ابن الفرات قد أصبح يوم الأحد صائماً، فأُتي بطعام فلم يأكله، فأُتي أيضاً بطعام ليُفطر عليه، فلم يفطر، وقال: رأيتُ أخي العبّاس في النوم يقول لي: أنت وولدك عندنا يوم الاثنين؛ ولا شكّ أنّنا نُقتل؛ فقُتل ابنه المحسن يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من ربيع الآخر، وحُمل رأسه إلى أبيه، فارتاع لذلك شديداً، ثمّ عُرض أبوه على السيف فقال: ليس إلاّ السيف، راجعوا في أمري، فإن عندي أموالاً جمّة، وجواهر كثيرة؛ فقيل له: جلّ الأمر عن ذلك! وقُتل وكان عمره إحدى وسبعين سنة، وعمر ولده المحسن ثلاثاً وثلاثين سنة، فلمّا قُتلا حُمل رأساهما إلى المقتدر بالله، فأمر بتغريقهما. وقد كان أبو الحسن بن الفرات يقولك إن المقتدر بالله يقتلني، فصحّ قوله، فمن ذلك أنّه عاد من عنده يوماً، وهو مُفكر كثير الهمّ، فقيل له في ذلك، فقال: كنتُ عند أمير المؤمنين فما خاطبتُه في شيء من الأشياء إلاّ قال ل نعم، فقلتُ له الشيء وضدّه، ففي كلّ ذلك يقول نعم؛ فقيل له: هذا لحُسن ظنّه بك، وثقته بما تقول، واعتماده على شفقتك؛ فقال: لا والله، ولكنه أذن لكلّ قائل، وما يؤمنيّ أن يقال له بقتل الوزير، فيقول نعم؛ والله إنّه قاتلي! ولّما قُتل ركب هارون بن غريب مسرعاً إلى الوزير الخاقانيّ، وهنّأه بقتله، فأُغمي عليه، حتّى ظنّ هارون ومَن هناك أنّه قد مات، وصرخ أهله وأصحابه عليه، فلمّا أفاق من غشيته لم يفارقه هارون حتّى أخذ منه ألفَي دينار. وأمّا أولاده سوى المحسن فإنّ مؤنساً المظفَّر شفع في ابنَيْه عبدالله وأبي نصر، فأُطلقا له، فخلع عليهما، ووصلهما بعشرين ألف دينار، وصودر ابنه الحسن على عشرين ألف دينار، وأُطلق إلى منزله. وكان الوزير أبو الحسن بن الفرات كريماً، ذا رئاسة وكفاية في عمله، حسن السؤال والجواب، ولم يكن له سيّئة ألاّ ولده المحسن. ومن محاسنه أنّه جرى ذكر أصحاب الأدب، وطلبة الحديث، وما هم عليه من الفقر والتعفّف، فقال: أنا أحقّ مَن أعانهم؛ وأطلق لأصحاب الحديث عشرين ألف درهم، وللشعراء عشرين ألف درهم، ولأصحاب الأدب عشرين ألف درهم، وللفقهاء عشرين ألف درهم، وللصوفيّة عشرين ألف درهم، فذلك مائة ألف درهم. وكان إذا وليَ الوزارة ارتفعت أسعار الثلج، والشمع، والسكر، والقراطيس، لكثرة ما كان يستعملها ويخرج من داره للناس، ولم يكن فيه ما يعاب به إلاّ أن أصحابه كانوا يفعلون ما يريدون، ويظلمون، فلا يمنعهم، فمن ذلك أنّ بعضهم ظلم امرأة في ملك لها، فكتبت إليه تشكو منه غير مرّة، وهو لا يردّ لها جواباً، فلقيته يوماً، وقالت له: أسألك بالله أن تسمع منيّ كلمة! فوقف لها، فقالت: قد كتبتُ إليك في ظُلامتي غير مرّة، ولم تُجبني، وقد تركتك وكتبتها إلى الله تعالى. فلمّا كان بعد أيّام، ورأى تغيّر حاله، قال لمن معه من أصحابه: ما أظن إلاّ جواب رقعة تلك المرأة المظلومة قد خرج؛ فكان كما قال. .ذكر دخول القرامطة الكوفة: وكان جعفر بن ورقاء الشيبانيُّ متقلّداً أعمال الكوفة وطريق مكّة، فلمّا سار الحُجّاج من بغداد سار جعفر بين أيديهم خوفاً من أبي طاهر، ومعه ألف رجل من بني شيبان، وسار مع الحُجّاج من أصحاب السلطان ثَمل صاحب البحر، وجنّيّ الصفوانيُّ، وطريف السبكريُّ وغيرهم، في ستّة آلاف رجل، فلقي أبو طاهر القُرمطيُّ جعفراً الشيبانيَّ، فقاتله جعفر. فبينما هو يقاتله إذ طلع جمع من القرامطة عن يمينه، فانهزم من بين أيديهم، فلقي القافلة الأولى وقد انحدرت من العقبة، فردّهم إلى الكوفة ومعهم عسكر الخلفية، وتبعهم أبو طاهر إلى باب الكوفة، فقاتلهم، فانهزم عسكر الخليفة، وقتل منهم، وأسر جنّيّاً الصفوانيَّ، وهرب الباقون والحُجّاج من الكوفة، ودخلها أبو طاهر، وأقام ستّة أيّام بظاهر الكوفة يدخل البلد نهاراً فيقيم في الجامع إلى الليل، ثمّ يخرج يبيت في عسكره، وحمل منها ما قدر على حمله من الأموال والثياب وغير ذلك، وعاد إلى هَجَر. ودخل المنهزمون بغداد، فتقدّم المقتدر إلى مؤنس المظفَّر بالخروج إلى الكوفة، فسار إليها، فبلغها وقد عاد القرامطة عنها، فاستخلف عليها ياقوتاً، وسار مؤنس إلى واسط خوفاً عليها من أبي طاهر، وخاف أهل بغداد، وانتقل الناس إلى الجانب الشرقيّ؛ ولم يحجّ في هذه السنة من الناس أحد. .ذكر عدّة حوادث: وفيها ورد رسول ملك الروم بهدايا كثيرة، ومعه أبو عمر بن عبد الباقي، فطلبا من المقتدر الهدنة وتقرير الفداء، فأجيبا إلى ذلك بعد غزاة الصائفة. وفي هذه السنة خُلع على جنّيّ الصفوانيّ بعد عوده من ديار مصر. وفيها استُعمل سعيد بن حمدان على المعاون والحرب بنهاوند. وفيها دخل المسلمون بلاد الروم، فنهبوا، وسبوا، وعادوا. وفيها ظهر عند الكوفة رجل ادّعى أنه محمّد بن إسماعيل بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وهو رئيس الإسماعيليّة، وجمع جمعاً عظيماً من الأعراب وأهل السواد، واستفحل أمره في شوّال، فسُيّر إليه جيش من بغداد، فقاتلوه، فظفروا به وانهزم، وقُتل كثير من أصحابه. وفيها، في شهر ربيع الأوّل، توفّي محمّد بن نصر الحاجب، وقد كان استعمل على الموصل، وتقدّم ذلك. وفيها توفّي شفيع اللؤلؤيُّ وكان على البريد وغيره من الأعمال، فوليَ ما كان عليه شفيع المقتدريُّ. ثم دخلت: .سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة: .ذكر عزل الخاقانيّ عن الوزارة ووزارة الخصيبيّ: وكان سبب ذلك أنّ أبا العبّاس الخصيبيَّ علم بمكان امرأة المحسن بن الفرات، فسأل أن يتولّى النظر في أمرها، فأذن له المقتدر في ذلك، فاستخلص منها سبع مائة ألف دينار وحملها إلى المقتدر، فصار له معه حديث، فخافه الخاقانيُّ، فوضع مَن وقع عليه وسعى به، فلم يصغ المقتدر إلى ذلك، فلمّا علم الخصيبيُّ بالحال كتب إلى المقتدر يذكر معايب الخاقانيّ وابنه عبد الوهّاب وعجزهما، وضياع الأموال، وطمع العمّال. ثمّ إنّ الخاقانيَّ مرض مرضاً شديداً، وطال به، فوقفت الأحوال، وطلب الجند أرزاقهم، وشغبوا، فأرسل المقتدر إليه في ذلك، فلم يقدر على شيء، فحينئذ عزله، واستوزر أبا العبّاس الخصيبيَّ وخلع عليه، وكان يكتب لأمّ المقتدر، فلمّا وزَر كتب لها بعده أبو يوسف عبد الرحمن بن محمّد، وكان قد تزهّد وترك عمل السلطان، ولبس الصوف والفوط، فلمّا أُسند إليه هذا العمل ترك ما كان عليه من الزهد، فسمّاه الناس المرتدّ. فلمّا وليَ الخصيبيُّ أقرّ عليَّ بن عيسى على الإشراف على أعمال مصر والشام، فكان يتردّد من مكّة إليها في الأوقات، واستعمل العُمّال في الأعمال، واستعمل أبا جعفر محمّد بن القاسم الكرخيَّ بعد إن صادره بثمانية وخمسين ألف دينار على الإشراف على الموصل وديار ربيعة. .ذكر ما فتحه أهل صقلّية: .ذكر عدّة حوادث: وفيها كثرت الأرطاب ببغداد، حتّى عملوا منها التمور، وحُملت إلى واسط والبصرة، فنُسب أهل بغداد إلى البغي. وفيها كتب ملك الروم إلى أهل الثغور يأمرهم بحمل الخراج إليه، فإن فعلوا، وإلاّ قصدهم فقتل الرجال، وسبى الذريّة، وقال: إنّني صحّ عندي صعف ولاتكم؛ فلم يفعلوا ذلك، فسار إليهم، وأخرب البلاد، ودخل مَلَطْيَة في سنة أربع عشرة وثلاثمائة، فأخربوها، وسبوا منها، ونهبوا، وأقام فيها ستة عشر يوماً. وفيها اعترض القرامطة الحاجَّ بزبالة فقاتلهم أصحاب الخليفة، فانهزموا، ووضع القرامطة على الحاجّ قطيعة، فأخذوها، وكفوا عنهم، فساروا إلى مكّة. وفيها انقضّ كوكب كبير وقت المغرب، له صوت مثل الرعد الشديد، وضوء عظيم أضاءت له الدنيا. وفيها توفّي محمّد بن محمّد بن سليمان الباغنديُّ في ذي الحجّة، وهو من حفّاظ المحدّثين، وأبو العبّاس محمّد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران السرّاج النَّيسابوريُّ وعمره تسع وتسعون سنة، وكان من العلماء الصالحين، وعبد الله بن محمّد بن عبد العزيز البَغَويُّ، توفّي ليلة الفِطر، وكان عمره مائة سنة وسنتين، وهو ابن بنت أحمد بن منيع. وفيها توفّي عليُّ بن محمّد بن بشّار أبو الحسن الزاهد. ثم دخلت: .سنة أربع عشرة وثلاثمائة: .ذكر مسير ابن أبي الساج إلى واسط: .ذكر الحرب بين عبد الله بن حَمدان والأكراد والعرب:
|